الجمعة، 8 نوفمبر 2013

التماسك الأسرى لدى أسر الأطفال المعاقين

مقدمة:
إن التوجه للعناية والاهتمام بالأفراد ذوي الحاجات الخاصة وأسرهم عملية ضرورية لتكامل المجتمع وتضامنه وتآزره، والأسرة لها مكانة خاصة في المجتمعات الإنسانية بسبب قدمها وثباتها والآثار التي تتركها، حيث تقوم الأسرة بواجبات متعددة تخدم مصالح أفرادها، ويشكل الطفل جانبا هاما في بناء الأسرة وتكوينها، وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد عددا لا باس به من الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة لا يزالون في بيوتهم دون أن تقدم لهم أية خدمات نفسية، أو تربوية، أو إرشادية، أو تاهيلية مناسبة، ونرى أن الأسرة وحدها تتحمل مسؤولية رعايتهم والعناية بهم، لذا لابد من مساعدة اسر هؤلاء الأطفال على المواجهة بطرق فعالة، كل ذلك لتسهيل عملية التكيف والتماسك الأسري بين أفراد الأسرة، وتطوير المظاهر النمائية لأطفالهم وتلبية حجاتهم الخاصة(يحيى، 2003).
وتقوم الاسرة بادوار لا يمكن لأي برنامج أن ينوب عنها في القيام بها، فهي المعلم الأول والاهم في حياة الطفل، والأكثر معرفة بمشكلاته، والصعوبات التي يعاني منها، لان ما يتعلمه فيها يبقى معه طوال حياته، كما انه يكتسب عن طريقها قيمه الاجتماعية ومعايير سلوكه، ويتأثر الطفل في تنشئته بالمستوى الاجتماعي، والاقتصادي لأسرته، وكما يتأثر الطفل بأسرته فانه يؤثر أيضا فيها، ولذا يختلف سلوك الأب وألام قبل ولادة الطفل عن سلوكهم بعد ولادته، ولذلك تصبح عملية التنشئة الأسرية عملية متبادلة، أي عملية تأثير وتأثر(البهي، وعبد الرحمن، 1999).
وينظر علماء الاجتماع إلى الاسرة من زاويتين رئيسيتين هما:
- باعتبارها نظاما اجتماعيا يكون مع النظم الأخرى في المجتمع.
- باعتبارها جماعة اجتماعية أولية يرتبط أعضاؤها ببعض عن طريق رابطة الدم التي تربط الإباء والأبناء، والإخوة والأخوات، والأزواج بالزوجات.
وتعرف الاسرة على أنها جماعة اجتماعية يرتبط أعضاؤها ببعضهم البعض عن طريق روابط الدم أو الزواج (رشوان، 2003).
ولعل الاهتمام بدور الاسرة في تنشئة الطفل يتفق مع ما انتهت إليه أراء علماء النفس والاجتماع، والانثروبولوجيا من أهمية الاسرة، والتفاعل الأسري في حياة الطفل، إذ تعتبر الاسرة هي أول من يتلقى الطفل، وهي الوسيط التربوي الذي يقوم بنقل التراث الثقافي والاجتماعي إلى الطفل (محمد، 1998).
ويقوم المجتمع من خلال جماعاته ومؤسساته بتنشئة الصغار، وجعلهم أعضاء مسئولين يعتمد عليهم، وذلك بإكسابهم المعاني والرموز والقيم التي تحكم سلوكهم، وإكسابهم توقعات سلوك الغير، والتنبؤ باستجابات الآخرين، وايجابيات التفاعل معهم، ولكي تستطيع الأسرة تنشئة الطفل تنشئة سليمة وإشباع حاجاته يجب أن تكون مطالب الوالدين من الطفل مؤقتة توقيتا يتناسب مع درجة نموه بحيث يكون في وسعه القيام بها وتحقيقها وانجازها(الراشدان، 1999).
في حين نادى البعض بضرورة اعتماد أنموذج متعدد الإبعاد في البحث الأسري بأطره النظرية والمنهجية، وذلك بربط المستوى الاجتماعي والاقتصادي (الطبقة الاجتماعية، والدخل الشهري/ السنوي) بمحددات وممارسات الحياة اليومية للأسرة(بما تشتمل عليه من التفاعل بين الوالدين، والوالدين والأبناء، وقيم التوجه والامتثال، وأساليب التنشية الاجتماعية المتبعة، والاتجاهات النفسية لإفراد الاسرة) (Selye& Hans, 1985).
ولعل التغيرات الجوهرية العميقة والمصاحبة للتسارع والتطور التكنولوجي، أثرت بدورها على جوانب الحياة بشكل عام والأسرة بشكل خاص، الأمر الذي دفع لظهور دراسات متخصصة في ميدان الاستقرار والتماسك الأسري، غايتها التخفيف من الآثار المترتبة على ذلك، مستندة إلى متغيرات متباينة في مستوياتها، وإسهاماتها، كبحث ودراسة الحالة الاجتماعية والاقتصادية، والخلفية الثقافية والتعليمية للوالدين وأفراد الأسرة، والعلاقات الزوجية والتماسك الأسري، وحجم الأسرة، وإبراز الدور الذي تضطلع به في ميدان العلاقات الاجتماعية والتفاعلية الأسرية والتماسك الأسري، بيد أن التحول الفعلي في هذا الميدان تجلى في إقدام الدارسين على بحث اثر المتغيرات السابقة الذكر في ترسيخ دعائم الاستقرار والتماسك الأسري(Deweese, 1990) أو تحليل لما قد تلعبه في دور إحداث وتشكيل الضغوطات والتوترات المصاحبة لها، لدى اسر الأطفال ذوي الحاجات الخاصة ( Bouma, 1990).
وبالنظر إلى ما تفرضه طبيعة الخبرات والأحداث اليومية، وما يرافقها من تقلبات شتى على مستوى الفرد والجماعة، فان الفرد يحتاج إلى قدر من عمليات الضبط والتحكم الذاتي ليتكئ عليها في تحقيق حالة من التوازن بين طاقاته، وإمكاناته الشخصية، والمؤثرات المحيطة به لتفادي تفاقم المشكلات النفسية والشخصية، ووصولا للانسجام والتوافق النفسي النسبي الذي تنتظم معه مقدرته على التعايش مع الواقع، هذا ما يلزم الاسرة لمواجهة أعباء الحياة بإبعادها وانعكاساتها مجتمعة التي تهدد الاستقرار والتماسك الأسري والتي قد تتمثل في ولادة طفل معاق، حيث يتطلب ذلك من الاسرة أن تعمل على أن تكون أكثر تماسكا، وذلك للتخفيف من حدة التوترات ومشاعر القلق والاكتئاب الناتجة عن وجود هذه الإعاقة، مما يقتضي العمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تعيد التماسك والاستقرار والتوازن إلى البيئة الأسرية، وتحقيق التفاعل الايجابي الفعال في ظل الظروف المحيطة(Darlying, 1982).
وهكذا فان الأسر التي قد تتعرض لمثل هذه الخبرة قد تضطر لتغيير نمط حياتها، وقد تتعرض للعديد من الضغوطات والمشكلات النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية لوجود هذا الطفل المعاق، وتمثل هذا الظروف والخبرات أصعب المواقف التي يمكن أن تواجهها الاسرة خلال أدائها لوظائفها(Brrowen, Goodman & Kupper, 1997).
لذلك فانه عندما يكتشف الآباء أن لديهم طفل معاق يتولد ليهم ردود فعل سلبية تتمثل بالشعور بالحزن على ذلك الطفل، أو قد يحملون أنفسهم مسؤولية ولادة هذا الطفل، وعندما تخف الصدمة فأنهم يبدؤون في البحث عن الأسباب التي أدت إلى ولادة طفلهم المعاق، ثم يتساءلون عن ماهية إعاقة طفلهم، وكيف يمكن أن تؤثر هذا الإعاقة في الاسرة، وهذا يدفعهم إلى البحث عن معرفة كيفية تقديم أفضل الخدمات لمساعدة طفلهم، أو معرفة المصادر المتوفرة لديهم، والبعض الأخر ربما يكون لديهم إحساس بالدهشة وذلك لشعورهم بان طفلهم يختلف عن الأطفال الآخرين، وآباء آخرون يتقبلون طفلهم المعاق بشكل سريع لان احد أفراد الأسرة لديه مشكلة ما ويجب مساعدته على حلها، وبناءا على ذلك فالآباء يحتاجون إلى دعم في تعلم التحكم بضغوطهم التي من الممكن أن تنجم عن وجود طفلهم المعاق في الاسرة (Curtiss, 2000).
وقد أظهرت دراسة لاولسون(Olson) أهمية تماسك الاسرة عندما قارن بين نوعين من الأسر هي الأسر المترابطة(المتماسكة)، أو الأسر المنفصلة، حيث استخدم في دراسته نموذجا يتضمن الأسر التي لديها أطفال معاقين، وقد أشار في هذه الدراسة إلى أن التماسك الأسري عامل مهم في أداء الاسرة لوظائفها، ويظهر قوة ذلك من خلال البقاء في المجموعة، وأكد على أن تماسك الاسرة هو رابطة عاطفية تعمل على التخفيف من حدة المواقف الضاغطة التي تتعرض لها الاسرة نتيجة لوجود طفل معاق لديها، كذلك يرى اولسون أن الأسر التي يكون لديها خبرات أكثر في التوازن في حالات الانفصال والاتصال توصف بأنها اسر قادرة على إيجاد البدائل والخبرات التي تساعدها على مواجهة الضغوط والتوترات التي تتعرض لها نتيجة لوجود طفل معاق لديها(Olson, 2000).
وفي محاولة للدراسات النفسية والاجتماعية في التعرف إلى واقع اسر ذوي الحاجات الخاصة، فقد توجهت لدراسة ما تشكله السمات الشخصية في مرحلة ما قبل الوالدية في مدى تقبلهم لأطفالهم المعوقين، حيث أوضحت هذه الدارسات أن الوالدين الذين عوملوا في طفولتهما بأساليب اتسمت بالمرونة(الحرية في التعبير، واتخاذ الفرار، والابتعاد عن العقاب) بدو الأكثر تقبلا لأطفالهم ولمشكلاتهم النفسية والشخصية، من الوالدين الذين مرا في طفولتهما بخبرات مغايرة، حيث اظهرا نوعا من التعارض ما بين احتياجاتهم الذاتية واحتياجات أطفالهم (Dusk & Steve, 1992).
وبناء على ذلك فان النمط المتبع من قبل الوالدين في تسيير أطفالهم وضبط الشؤون الأسرية لا يؤثر فحسب على أطفالهم تأثيرا مباشرا، بل يزودهم لاحقا بنموذج لعلاقاتهم الاجتماعية، ويسهم في تطوير شخصياتهم، ونظرتهم الخاصة في تناول القضايا الحاسمة واتجاهاتهم نحو المجتمع، وتعاملهم مع المحن والأزمات الشخصية الذاتية (Olson, 1994).

التماسك الأسري:
إن التماسك الأسري هو عبارة عن مرآة تعكس الطرق التي تتفاعل فيها النظم الأسرية الفرعية مع بعضها البعض، وعلى وجه التحديد يعرف التماسك الأسري على انه " الرباط العاطفي الذي يشد أفراد الاسرة نحو بعضهم البعض من جهة واستقلالية الفرد في النظام الأسري من جهة أخرى "، وعليه فمن الممكن تصور التماسك الأسري بأنه مدرج متصل، احد طرفيه التداخل(Enmeshment)، وطرفه الآخر الانفصال (Disengagement)، وفي حالة التداخل الكبير تكون حدود كل نظام في الحياة الأسرية غير واضحة أو ضعيفة، والتفاعلات الأسرية التي يسودها التداخل الكبير غالبا ما تتسم بالتداخل المبالغ في والحماية المفرطة، وهذا الجو الأسري لا يسمح إلا بالقليل من الخصوصية، وجميع القرارات والأنشطة ليست موجهة نحو الإفراد ولكنها تتمركز حول الأسر كلها، أما الحياة الأسرية التي تتصف بانفصال أفرادها عن بعضهم البعض فهي تتسم بحدود صارمة تفصل النظم الفرعية المكونة للنظام الأسري عن بعضها البعض، ومثل هذه الحياة الأسرية قد تترك تأثرات سلبية على أفرادها مثلها في ذلك مثل الحياة الأسرية المتصفة بالتداخل الكبير، والتوازن بين طرفي الترابط (الانفصال والتداخل) الذي يعتبر من خصائص الأسر التي تقوم بوظائفها بشكل جيد، فالحدود بين النظم واضحة، وأفراد الاسرة يشعرون بالارتباط العاطفي القوي من جهة وبالاستقلالية والخصوصية من جهة أخرى(الخطيب، 1999).
يعرف التماسك بشكل عام على انه: المجموع الكلي للقوى التي تؤثر على الأعضاء ليبقوا في المجموعة (Olson,2000)، كما وظف تيزير وزاكار(Tzier & Zaccaro) حديثا هذا التعريف في المهمات الاجتماعية، وبحسب البحث المتعلق بالأسر التي لديها أطفال معاقين فان التماسك الأسري يتأثر بشكل مختلف بالإباء والأمهات، وبناءا على ماسبق يمكن تعرف التماسك الأسري بأنه: " عبارة عن رابطة انفعالية تنشاء بين أعضاء الاسرة مع بعضهم البعض "، والتماسك الأسري يمثل أكثر مصادر الاسرة فائدة، حيث أن المستويات العالية من التماسك تجعل أعضاء الاسرة أكثر حميمية مع بعضهم البعض، وبالمقابل فان المستويات المتدنية جدا من التماسك تجعل أعضاء الاسرة أكثر انفصالا عن بعضهم البعض، ولا يوجد قدر كافي من التماسك في كل أسرة ولكن هناك توجد حاجات متزنة تؤدي إلى توظيف الاسرة بشكل أفضل(Olson,2000).

التماسك الأسري لدى أسر الأطفال المعوقين:
إن ولادة طفل معاق يمثل ضغطا على الوالدين وعلى الاسرة بشكل عام، ويترك تأثيرا واضحا على تكيف الاسرة وتماسكها، فقد تتأثر علاقات الاسرة بسبب متطلبات الطفل المعاق، والتي تتطلب من أفراد الاسرة العمل تحت ظروف من الضغط النفسي والتوتر والقلق، والحرمان من إشباع حاجاتهم الشخصية والذي بدوره سينعكس على علاقات أفراد الاسرة مع بعضهم البعض، وقد يتولد لديهم شعور بالرفض اتجاه الطفل المعاق، والكراهية والرغبة في الهروب، والخجل، مما يدفع بهم إلى العدوان والانطواء، والعزلة والاكتئاب، إضافة إلى ذلك فان وجود طفل معاق يتطلب الرعاية المستمرة والاهتمام مما ينتج عنه الإرهاق الجسمي والنفسي للوالدين والذي سينعكس على نشاطاتهما الحياتية وعلى تماسك أفراد الاسرة (Thomas, 1979).
وبناءا على ذلك فان وجود طفل معاق داخل الاسرة هو أكثر تحد للآباء، ويمتد إلى الاسرة بأكملها، فالبنسبة للآباء فان هذا الطفل هو حدث يؤدي إلى التغير في حياة الاسرة كاملة، حيث يعمل على تغيير أهدافها وتوقعاتها (Bruce, 2001)، وإذا كان كل تغير يصيب احد أفراد الاسرة يؤثر في بقية الأفراد الآخرين فان مولد طفل معاق في الاسرة لا شك يؤثر تأثيرا كبيرا في المناخ الذي يسود العلاقات البيئية بين أعضاء الاسرة، وفي مشاعر الأعضاء المتبادلة، فقد تمر الاسرة بمراحل من الضغوط والتوترات، والأعباء الجسمية والنفسية، التي تسببها العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تقوية العلاقات الأسرية وتماسكها لمواجهة هذا الضغوط والتوترات أو قد تضعف هذه العلاقة (كفافي، 2001).
إن الأبحاث المتعلقة بدراسة اسر الأطفال المعاقين أصبحت تأخذ منحى جديدا، فبدلا من التركيز على الضغوطات التي تتعرض لها الأسر فقط، فقد أصبحت تركز أيضا على كيفية مواجهة الأسر للإعاقة (Bennett & Deluca, 1996)، وذلك من خلال التركيز على قوة الاسرة واتحاد أفرادها مع بعضهم البعض لمواجهة الإعاقة، حيث تعتبر العلاقة بين الأم والأب من أكثر العوامل التي تؤثر على مستوى هذه العلاقة، فإذا كانت العلاقة بين الأم والأب قوية ويدعم كل منهما الأخر فان ذلك سوف ينعكس على كل أفراد الاسرة، وبالمقابل عندما تكون هناك مشكلات في العلاقة بين الزوجين، فان تأثير التوترات سوف يشمل كل أفراد الاسرة(Bailey & Smith, 2000)، كما قد يشمل السياق الاجتماعي والثقافي الذي تعيش ضمنه هذه الأسر، حيث يتمثل هذا السياق في نسق الاسرة الممتدة، ونسق المعتقدات، والنسق الاجتماعي ككل(Olson,2000).
إذا كانت الاسرة تتمتع بتاريخ طويل من العلاقة الوطيدة التي لم تتعرض لنزاعات فانها أكثر قدرة على المحافظة على هذا التقارب الروحي حتى بوجود الطفل المعاق، فوجود الطفل المعاق ليس العامل الذي أدى إلى الاختلال في العلاقة بين أفراد الأسر، وإنما وجود الطفل المعاق قد أعطى فرصة أو مجال أخر لتعاد فيه نفس الأنماط من العلاقات القائمة أصلا، هذا ولم يظهر أي تأثير لشدة الإعاقة عند الطفل على طبيعة العلاقة الدائمة لدى الأسر التي لم تتصف بالتعاون والدعم، إنما كان هناك شعور اكبر عند الأسر بأنهم تركوا مهملين كلما كانت شدة الإعاقة اكبر، وان التواصل الفعال كان مرتبطا بفكرة التقارب الروحي المتواصل بين الأفراد، كما أن وجود الحوار والتواصل الايجابي يسهل حل المشكلات، وبالتالي تكون الاسرة أكثر قدرة على المحافظة على التقارب في العلاقة(يحيى، 2003).
ويمكن للأسرة التي لديها طفل معاق أن تتغلب على الصعوبات التي تواجهها من خلال تكيفها وتماسكها، حيث تظهر ردود الفعل الايجابية نحو الطفل والتي يدرك معها الوالدين حاجة الطفل المعاق الحقيقية إلى الاهتمام والرعاية والتدريب في جو يسوده التقبل والعطف، ومن خلال تماسك الاسرة يصبح إخوة المعاق أكثر قدرة على فهم الظروف التي تعيشها الاسرة، وأكثر رغبة في المساعدة، وهذا يؤثر على تقارب الزوجين والذي سينعكس بدوره ايجابيا على الطفل المعاق، والوصول به إلى أقصى حدود النمو وبالتالي يساعده على تحمل المسؤولية والاعتماد على الذات(Roessler & Salton, 1973).
ومن وجهة نظر منك(Mink) فانه يرى أن هناك خمس فئات من الأسر هي: الأسر المتماسكة المتكيفة، والأسر غير المتكيفة نسبيا، والأسر المهتمة بالطفل والقادرة على التعبير، والأسر ذات المعنويات المتحفظة، والأسر المنغلقة على ذاتها المفتقرة إلى التكيف، كما انه يرى أن هنالك فروقا بين هذا الفئات من الأسر من حيث خصائص الأسر والأطفال وذلك على النحو التالي: الأسر المتماسكة والمتكيفة أظهرت مستويات اقل من النزاعات ومستويات عالية من القناعات الدينية، والأخلاقية، أما الأسر المهتمة بالأطفال والقادرة على التعبير فهي تتصف بمستويات عالية من الاعتزاز بالذات، والعطف، والدفء، نحو الأطفال، ولا تستخدم العقاب البدني، أما الأسر المفتقرة إلى الانسجام، والتكيف، والمهتمة بالضبط فقد اظهر الأطفال سلوكا تكيفيا منخفضا، وسلوك غير تكيفي ملحوظ في كل من البيت والمدرسة، أما الأسر ذات المعنويات المتحفظة والمحرومة فقد كان الآباء معدومين ماليا، ويشعرون بالأسى، وكان أطفالهم منعزلين، ومفهوم الذات لديهم منخفضا، أما الأسر المنغلقة على ذاتها، وغير منسجمة فكانت تتجنب الإفصاح عن مشكلاتها، ولا تقدم المعلومات (الخطيب، 1992).
هناك العديد من الدراسات التي اهتمت بأهمية التماسك في اسر المعاقين، والتي أوجدت أن التماسك هو واحد من أفضل المصادر التي نظمت لتوظيف الاسرة، فمن وجهة نظر الباحثين(Olson, David, John,1994) وجدوا أن الآباء والأمهات اللذين لديهم أطفال معاقين ممكن أن يتأثروا بالتماسك الأسري بشكل مختلف، وفي دراسة أجراها كروس(Krauss, 1993) على أباء وأمهات أطفالهن لديهم إعاقات متطورة مثل متلازمة داون، وإعاقات حركية، والتأخر ألنمائي، حيث تم إجراء مسح على الآباء في الوقت الذي بدأ فيه تقديم خدمات التدخل المبكر لأبنائهم، وبحسب التقارير التي تم التوصل إليها من خلال هذه الدراسة على الآباء والأمهات فقد وجد كروس(Krauss, 1993) أن الأمهات لديهن تماسك وتكيف اسري واضح بشكل أكبر من الآباء، وتقترح هذه الدراسة أن الآباء والأمهات هي اسر متماسكة ومتأثرة ومتكيفة بشكل مختلف عندما يكون لديها طفل معاق، كما اشترك الباحثين في مؤتمر الأطفال ذوي الحاجات الخاصة لاختيار عينة مكونة من (503) أمهات لديهن أطفال معاقين، بحيث تم اختيارهن بالاعتماد على معيار متعلق بالطفل المعاق الذي يكون عمره ما بين سنة وستة سنوات، وان إعاقات الأطفال تتضمن متلازمة داون، والشلل الدماغي، والإعاقة العقلية، والتأخر النمائي، والإعاقة الحسية، وبالمقارنة مع العينة المعيارية لمقياس موزس (Moos's) للبيئة الأسرية(Becklmam, 1991) فقد وجد أن استجابة الأمهات المرتبطة بالأسر التي لديها أطفال ذوي إعاقات ارتفعت إلى مستوى عال من الاستجابات فيما يتعلق بمجالات التماسك، والتعبير، والدين، والتنظيم، هذا يعني أن الأسر التي لديها طفل لديه إعاقة ممكن أن توضع بشكل أكثر على قيمة التماسك من نشاطات إعادة الإبداع الفعال وتحقيق التوجه(Becklmam, 1991).
إن الأسر التي لديها طفل معاق ممكن أن يكون لديها مستويات اقل من الضغوط، والضغوط الوالدية أيضا عندما تشعر هذه الأسر بأنها أكثر تماسكا، وفي الدراسات الطولية التي قام بها (Warfield, Krauss, Hauser, Shonkoff, 1999) على (97) من الأمهات تم توظيفها من خلال برامج التدخل المبكر، حيث تم التوصل مع الأمهات في بداية تقديم خدمات التدخل المبكر، ولكي تكون المشاركة قانونية يجب أن يكون لدى الأطفال متلازمة داون، وإعاقة حركية، أو يكون لديهم تأخر نمائي غير محدد ولكن مصنف، كما انه يكون عمر الطفل(27) شهرا أو بالغ، ولقد تم تقييم ألأمهات من خلال المقابلة والاستبيانات ثلاثة مرات وكانت على النحو التالي: عندما يدخل الطفل إلى برنامج التدخل المبكر، وعندما يترك الطفل البرنامج في عمر ثلاثة سنوات، وعندما يدخل الطفل الروضة، فقد وجدت هذه الدراسة تماسك اسري كبير جدا عندما يكون عمر الطفل ثلاثة سنوات، ويكون مستوى الضغط متدني، بالمقابل عندما يكون الطفل في الخامسة يكون التماسك الأسري متنبأ به من خلال المستويات الدنيا للضغوط المتعلقة بالطفل والوالدين، لذلك فان العلاقة السببية لم تتضمنها هذه الدراسة، ولكنها ظهرت عندما شعرت الأمهات بالدعم من خلال الوحدة الأسرية، ومستويات الضغوط المرافقة للاعتناء بالطفل المعاق قلت.
إن إعاقة الطفل المرتفعة قد تكون مرتبطة بالصعوبات المتعلقة ببقاء علاقة التماسك الوالدي، ولقد اختار بريستول(Bristol, Gallagher, Schopler,1988) (56) أبوين لأسر قوقازية لدراسة مدى التكيف والدعم الزوجي، حيث أن كل الأسر لديها طفل يتراوح عمره ما بين (2-6 سنوات )، وقد كان في هذه الدراسة(31) أسرة لديها طفل مشخص على انه يعاني من التوحد واضطراب تواصلي، و(25) أسرة لديها أطفال معاقين، وبالاعتماد على التقارير الشخصية فقد وجد أن الآباء الذين لديهم أطفال يعانون من إعاقات نمائية سجلوا على أنهم في خطر مشاكل الأمومة، وعلى عكس الآباء الذين ليدهم أطفال معاقين، وبالرجوع إلى تدخل الآباء فان الآباء الذين لديهم أطفال معاقين يعانون من مشاكل أمومة أكثر من الآباء الذين ليس لديهم أطفال معاقين، فالأمهات في تلك المجموعتين يشعرن بدعم عاطفي متدني من أزواجهن أكثر من الأزواج الذين دعما من زوجاتهم، مما يؤدي هذا إلى تدني من الشعور بالتماسك الأسري، وصعوبة التكيف اتجاه الآباء الذين يعانون من الضغوط، ولقد كشفت دراسة بريستول (Bristol et al, 1988) أن التأثير والدعم الزوجي المتواصل أفضل متنبئ للتكيف والتماسك الأسري لدى الأسر التي لديها طفل معاق، وان الأسر التي لديها طفل معاق تسجل أعلى مستويات من التماسك والتكيف الأسري من الأسر التي ليس لديها أطفال معاقين(Becklmam, 1991)، وعلى أية حال هناك دراسات تظهر أن الآباء لديهم صعوبات في التماسك وعلاقة الأمومة متعلقة بالآباء(Bristol et al, 1988)، كما تظهر دراسة (Warfield et al, 1999)، وكما أن هناك أيضا اسر لديها ميول كبير نحو التماسك عندما تكون هنالك ضغوط اقل لدى الوالدين، والعكس صحيح فانه عندما تزداد مستويات مشاعر الوالدين للضغوط يؤدي إلى شعور اقل في التماسك لدى الأسر وصعوبة التكيف اتجاه الإعاقة (Warfield et al, 1999).
وعلى الرغم من أن هنالك العديد من الدراسات أظهرت أن هنالك ارتفاع كبير في التماسك الأسري لدى الأسر التي لديها أطفال معاقين، وبالمقابل هنالك دراسات أخرى أظهرت أن العلاقة بين الآباء لم تكن متماسكة عندما يكون هنالك طفل معاق(Bristol et al, 1988).

مفهوم التنشئة الأسرية:
تتمثل الوظيفة الأسرية في توفير الدعم الاجتماعي، ونقل العادات، والقيم، والتقاليد، والعقائد السائدة في الاسرة إلى الأبناء وتزويدهم بأساليب التكيف(الزراد، 2002)، وقد وردت هنالك العديد من التعريفات لمفهوم التنشئة الأسرية، حيث عرفها رشوان(2003) على انها الجماعة والتوافق، فهي تكسب الفرد الطابع الاجتماعي وتساعده على التكيف والاندماج في إطار الحياة (زهران، 1995).
كما عرفها العيسوي (1999) بأنها العملية التي تتشكل خلالها معايير الفرد واتجاهاته، ودوافعه، وسلوكياته، لكي تتوافق مع معايير وقيم المجتمع الذي يعيش فيه، وهذه العملية تبدأ منذ ولادة الطفل وتستمر مدى الحية ( العيسوي، 1999).
ويعرفها هذرنجتون وبارك (Hetherington & Parke, 1993) " بأنها العملية التي يتم فيها تعليم أفراد جدد في المجتمع قواعد وقوانين اللعب الاجتماعي، حيث تحاول مؤسسات التطبيع الاجتماعي المختلفة مساعدة الأفراد الجدد، وتبني القوانين والقواعد التي تساعدهم على اللعب بالطريفة نفسها التي يلعبون بها(Hetherington & Parke, 1993).

أنماط التنشئة الأسرية:
تشتمل التنشئة الأسرية كافة الأساليب التي يتلقاها الأفراد من الأسرة خاصة الوالدين والمحيطين به من اجل بناء شخصية نامية متوافقة جسميا واجتماعيا، وذلك في موافق الرضاعة والفطام والتدريب على عملية الإخراج والنظافة، والغذاء، واللعب، والتعاون، والتنافس، والصراع مع الآخرين في كافة مواقف الحياة من تحصيل، وعمل، وترويح، وتتمثل تلك الأساليب التي يتلقاها الفرد في تلك المواقف والتي تختلف من جماعة أو ثقافة لأخرى في، الحب، والرعاية، والعطف، والدفء، والحماية الزائدة، والتدليل، والإهمال، والقسوة، والتذبذب في المعاملة، والتفرقة في المعاملة، وبهذه الأساليب يمكن تعزيز أو تكف استجابات سلوكية معينة من شاها أن تعمل أو لا تعمل على تنشئة وبناء الشخصية المتوافقة للفرد (Maccoby & Martin, 1993).
وقد أجريت محاولات عديدة من قبل عدد من الباحثين لتحديد أساليب الممارسات الوالدية في التنشئة الأسرية، ومن هذه المحاولات ما قام به بالدوين وكالهورن وبيري (Balswein, Calhorn & Berry) وذلك عندما درس هؤلاء العلاقة بين ثلاثين متغيرا من متغيرات المعاملة الوالدية على عينة مكونة من(124) أسرة، إذ بينت هذه الدراسة أن هناك ثلاثة أساليب في التنشئة الأسرية مستخدمة من قبل الوالدين وهي(الأسلوب الديمقراطي، وأسلوب التقبل، وأسلوب التدليل)، وفي بحث آخر لنفس الباحثين تم التوصل إلى أسلوب رابع هو الحنان أو الدفء (الطحان، 1998).
وقام ماكوبي ومارتن(Maccoby & Martin, 1993) استنادا على دراسات مكثفة لمدة عقدين من الزمن، بوضع أربعة أنماط لأساليب التنشئة الأسرية، تتفاوت من حيث درجة ممارسة الضبط والمراقبة على سلوك الطفل ودرجة التعامل مع الطفل بالحب والحنان العاطفي، وهذه الأنماط هي:
1- النمط السوي(Authoritative): إن هذا النمط يتميز بوجود درجة عالية من الحنان والدفء والعطف، مع وجود درجة عالية من السيطرة والتحكم والضبط أيضا.
2- النمط المتساهل(Permissive): يتميز هذا النمط بدرجة عالية من الحنان والعطف، مع درجة متدنية من السيطرة والضبط أيضا.
3- النمط التسلطي(Authoritarian): يتميز هذا النمط بدرجة متدنية من الدفء العاطفي، ودرجة عالية من الضبط والتحكم.
4- نمط الإهمال (Unincolced): يتميز هذا النمط بوجود درجة متدنية من الدفء العاطفي، وبدرجة متدنية في السيطرة والضبط.
أما في الدراسة التي قام بها العارضة(1989)، وداوود (1999) فقد تم التمييز بين نمطين من أنماط التنشئة الأسرية وهما:
1- نمط التنشئة الأسرية المتسامحة: وفي هذا النمط يتصف الوالدين بتقبل الأبناء، والتعامل معهم بالحب، والحنان، والعطف، واحترام المشاعر ومساعدتهم على تحقيق الذات.
2- نمط التنشئة الأسرية المتسلطة: وفي هذا النمط يتصف الوالدين بالقسوة، والشدة، وعدم التقبل والرفض، والإهمال، والوقوف أمام رغبات الأبناء، كما يتصفان باستعمال أساليب العنف والزجر والتحقير، وفرض الأحكام والعقاب البدني والنفسي، وعدم المساواة والعدالة بين الإخوة.
ويتفق عويدات (1997) مع هذا التقسيم حيث بين نوعين من أنماط التنشئة الأسرية وهما:
1- النمط الديمقراطي- التسلطي: ويعبر عن هذا النمط باستجابات تتراوح بين فرض الوالدين إرادتهما على الطفل، ومنعه من القيام بتحقيق رغباته بالطريقة التي يريدها، حتى ولو كانت هذه الرغبات مشروعة، ومدى الحرية والاحترام الذي يمنحه الوالدين للطفل خلال تصرفاته التي تتعلق بمختلف شؤونه الشخصية، والمنزلية، والمدرسية، والاجتماعية.
2- نمط التقبل – النبذ: ويعبر عن هذا النمط باستجابات تتراوح بين التعبير عن الحب من قبل الوالدين للطفل من خلال تصرفاتهما نحوه في مختلف المواقف الحياتية، والتعبير عن كراهية الوالدين للطفل، باعتباره غير مرغوب فيه في مختلف المواقف الحياتية (عويدات، 1997).
ونتيجة لاستخدام هذه الأساليب فان الاسرة تعد طفلها للاستجابة بطريقة ايجابية أو سلبية للخبرات القادمة في حياته، فالطفل يدرب على تنظيم بعض الوظائف الحيوية ويصحب هذا التدريب جو انفعالي خاص من الحب والتدليل أو التهديد بفقدان الحب، ويتعلم الطفل من هذه الخبرات انه طفل ممتاز يستطيع السيطرة على وظائفه أو يشعر انه طفل سيئ لا يستطيع انجاز هذه السيطرة، وفي هذه الإثناء ينشأ على الثقة بنفسه وبالآخرين، وعلى الشعور بأنه معد لانجاز هذه الخبرات الجديدة، أو ينشأ على عكس ذلك(Mussen & Conger, 1970).

التنشئة الأسرية وعلاقتها بالتماسك الأسري:
إن العلاقات الأسرية حفلت بالكثير من اهتمام الباحثين والدارسين وتنوعت أهداف تلك الدراسات، وتناولت في المقام الأول أهمية وجود العلاقة الدافئة الصحية وضرورتها لنمو شخصية أفراد الأسرة، وتناولت اثر تلك العلاقة في كل مظهر من مظاهر النمو النفسي للفرد، وطبيعة العلاقة خلال مراحل النمو المختلفة والعوامل الايجابية والسلبية التي تؤثر فيها (الكندري، 2005).
وتعتبر العلاقات الأسرية نتاج تفاعلات معقدة بين جملة من العوامل البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتتحدد هذه العلاقات، وتماسك الاسرة، واستقرار حياتها في ضوء العديد من العوامل الخارجية والداخلية، فالبيئة الاجتماعية لها تأثير كبير على الاسرة، فإذا كانت الاسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، وأساس وجوده، فالمجتمع هو الذي يشكل وينظم نمط الاسرة ووظائفها، أما العوامل الداخلية والتي تشمل طرق استجابة أفراد الأسرة لبعضهم البعض ومدى إشباعهم لحاجاتهم بشكل تبادلي ومستوى الانسجام والتجانس فيما بينهم، فإنها لا تقل أهمية عن العوامل الخارجية على صعيد تحقيق التماسك والانتماء للأسرة (الخطيب، 1996).
إن الحياة الأسرية بما تتضمنه من تفاعلات وعلاقات مستمرة بين عدة أطراف، ومستويات متفاوتة من الاعتماد المتبادل قد تنطوي على صعوبات مختلفة مثلما تنطوي على الشعور بالأمن والانتماء، والنتائج المحتملة لتلك التفاعلات كوحدة وظيفية متكاملة أصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل بفضل الزخم الهائل من البحوث والدراسات العلمية التي أجريت في هذا الصدد، وتظهر أهمية تلك العلاقات منذ مرحلة حضانة الطفل التي تعتبر من المراحل المهمة في التنشئة الأسرية، وان معظم خبراته تتشكل في هذه المرحلة من خلال أسلوب معاملة الوالدين لأبنائهما، وخاصة أن الوالدين يمثلان المصدر الأساسي في عملية التنشئة التي تمارس على الطفل.
وبالرغم من أن بعض الأسر قد تواجه صعوبات في تامين ظروف الحياة لأبنائها ولاسيما الأسر التي لديها أطفال معاقين، إلا أنها لم تفقد وظيفتها الأساسية في حضانة الطفل ورعايته خلال أهم مرحلة من مراحل نموه النفسي، والجسمي، والاجتماعي، والوجداني، كما أن من الواجبات الأساسية للأسرة هو توفير الأمن النفسي لطفلها، الذي يعتبر من المتطلبات الأساسية للصحة النفسية التي يحتاج إليها الطفل كي يتمتع بشخصية متزنة ومنتجة، كذلك فان اتجاهات الوالدين نحو الطفل والطريقة التي يدرك فيها الطفل هذه الاتجاهات تؤثر في تكيفه ونموه، وليس من شك في أن تحقيق هذا يتطلب تواصلا وتماسكا فاعلا بين الوالدين وبقيه أفراد الأسرة وتفاهما، وعملا تكامليا ومشتركا في ظل تنظيم اسري بناء (الخطيب، 1996).
وعلى صعيد آخر فان الجو العاطفي الأسري يعتبر من أهم العوامل التي تسهم في تكون شخصية الأبناء وأساليب تكيفهم، فالحب والدفء الأسري يعملان على تكوين ثقة الطفل بنفسه، وقدرته على مواجهة الظروف القاسية في حياته، أما مشاعر الكره والنفور والتجنب فأنها تشحن الطفل بإشكال الشقاء والماسي وتدفع به إلى تكوين نظرة قاتمة نحو المجتمع والأسرة، وان أساليب معاملة الوالدين لأبنائهما تحتل مكانة هامة في تكوين شخصية الأبناء وأساليب تكيفهم وتفاعلهم مع بعضهم البعض، وبالطبع فان الأسر تختلف في أسلوب أو نمط التنشئة الأسرية التي تنتهجها في معاملتها مع أبنائها، فقد تتبع بعض الأسر النهج الديمقراطي المتسامح القائم على منح الأبناء الحرية خلال تصرفاتهم التي تتصل بمختلف شؤونهم الشخصية، والمدرسية، والاجتماعية، وهذا بدوره يعمل على زيادة التماسك بين أفراد الاسرة، في حين تنتهج اسر أخرى الأسلوب التسلطي المتشدد والمتمثل بفرض الوالدين أرائهما على الأبناء، ومن المعروف أن تبني الآباء لمواقف متطرفة في تعاملهم مع الأبناء كالإفراط في الحماية من جهة والرفض من جهة أخرى والإهمال من جهة ثانية، غالبا ما يقود على عدم النضج وافتقار الشخصية إلى التكامل، فحماية الطفل بشكل مفرط بصرف النظر عن مبرراتها إنما هي في الواقع حرمانه من فرص ضرورية للنمو والتكيف والقدرة على مواجهة تحديات الحياة اليومية مثلها في ذلك مثل الحرمان والرفض والإهمال، فإذا كان من المسلمات أن الأطفال بحاجة إلى الحب والحنان والرعاية فذلك قطعا لا يعني فرض قيود غير واقعية على سلوكهم ومحاولاتهم للاستكشاف والنمو(الزراد، 2002).
وبناء على ذلك فان أساليب التنشئة الأسرية والعلاقات والاتجاهات الوالدية، تعني الاستمرارية لأسلوب معين أو لمجموعة من الأساليب المتبعة في تربية الطفل وتنشئته، ويكون لها اثر في تشكيل شخصيته، وعلاقاته مع الآخرين، فهي مجموعة من الإجراءات والأساليب التي يتبعها الوالدين في تنشئة أبنائهم وتحويلهم من كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية، فعندما يكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي تستطيع الاسرة أن تمارس وظائفها وتتحرر البيئة الأسرية نسبيا من التوترات(قناوي، 1998)
وتشير هيرلوك(Hurlock, 1994) إلى الثبات في أسلوب التربية والتنشئة الأسرية، فقد نجد أن الطفل يتعرض في موقف معين لنمط محدد من التعامل من قبل والديه بينما يعامل بأسلوب ونمط أخر مختلف تماما في موقف آخر مشابه، مما يجعل الطفل في حيرة من أمره، وتختلف عليه المعايير السلوكية المقبولة وغير المقبولة من قبل والديه، وهذا النوع من التناقض وعدم الثبات في أسلوب التنشئة الأسرية قد يؤدي بالفرد إلى سوء التكيف، وتنافر بين توقعات أفراد الاسرة، فقد تكون التأثيرات على وحدة الاسرة كبيرة وعلى علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي، ويمكن أن يتحقق الثبات في المعاملة من خلال تماسك أفراد الاسرة مع بعضهم البعض وتوثيق العلاقات الحميمية فيما بينهم(Hurlock, 1994).

المراجع
المراجع باللغة العربية:
1- أبو عزة، سحر(1992)، العلاقة بين بعض المتغيرات المتعلقة بالطفل المصاب بالشلل الدماغي وبين التكيف والتماسك الأسري والتعايش مع الإعاقة، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
2- البهي، فؤاد، عبد الرحمن، سعد(1999)، علم النفس الاجتماعي رؤية معاصرة، القاهرة، دار الفكر العربي.
3- الحديدي، منى، الصمادي، جميل، الخطيب، جمال(1992)، الضغوط التي تتعرض لها اسر الأطفال المعوقين، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية، عمان.
4- الخطيب، جمال(1996)، الرعاية الأسرية للطفل المعاق، مجلة الدراسات الاجتماعية والعمالية، العدد 31، ص25.
5- الرشدان، عبدا لله زاهي(1999)، علم الاجتماع التربوي، عمان، دار النشر والتوزيع.
6- الزراد، فيصل محمد خير(2002)، اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والاندفاع بالسلوك لدى الأطفال، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، الأمارات.
7- السرطاوي، زيدان:سيسالم، كمال(1987)، المعوقين أكاديميا خصائصهم وأساليب تربيتهم، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية.
8- السقار،عيسى محمد(1984)، اثر اتجاهات التنشئة الوالدية والمستوى الثقافي للاسرة في القدرة على التفكير الابتكاري عند طلاب المرحلة الثانوية في الأردن، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، اربد، الاردن.
9- العارضة، إيمان فضل(1989)، اثر التنشئة الأسرية والتفاعل بين المعلم والطالب على مفهوم الذات عند الطلبة، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان.
10- العبادي، إياس عطية(1996)، العلاقة بين أنماط التنشئة الأسرية كما يدركها الأبناء طلبة الصف الأول الثانوي والسنة الجامعية الأولى ومستوى قدرتهم على التكيف، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
11- العيسوي، عبد الرحمن(1999)، النمو النفسي ومشاكل الطفولة، دار المعارف الجامعية.
12- الكندري، احمد مبارك(2005)، علم النفس الأسري، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، الكويت، الكويت.
13- جرادات، أسمهان(1993)، دراسة مقارنة بين اسر الأطفال العاديين واسر الأطفال المعوقين من حيث الضغوط النفسية والاستقرار الأسري في عينة أردنية، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
14- حنبلي، عريب شاكر(1989)، العلاقة بين أنماط تنشئة الوالدين وأنماط شخصية أطفالهم في المرحلة الابتدائية العليا، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
15- رشوان، حسين عبد الحميد(2003)، الأسرة والمجتمع، مؤسسة شباب الجامعة، القاهرة، مصر.
16- عبدوني، كامل عايد(1995)، أنماط التنشئة الاجتماعية الوالدية لدى عينة من طلبة المرحلة الثانوية في مديرية تربية عمان الكبرى الأولى، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
17- عويدات، عبد الله(1997)، اثر أنماط التنشئة الأسرية على طبيعة الانحرافات السلوكية عند طلبة الصفوف الثامن والتاسع والعاشر للذكور في الأردن، مجلة دراسات العلوم التربوية، 24،1، ص82-101.
18- كفافي، علاء الدين(2001)، الإرشاد الأسري للأطفال ذوي الحجات الخاصة، معهد الدراسات التربوية، جامعة القاهرة، دار قباء، القاهرة، مصر.
19- محمد، إقبال، وآخرون(1998)، ديناميكية العلاقات الأسرية، القاهرة، المكتب الجامعي الحديث.
20- مطر، جيهان وديع(1991)، علاقة أساليب التنشئة الأسرية بأنماط الاستقلال الادراكي والتفكير الناقد لطلبة الصف العاشر في منطقة عمان، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.
21- يحيى، خولة احمد(2003)، إرشاد اسر الاحتياجات الخاصة، دار الفكر، الطبعة الأولى.

المراجع باللغة الانجليزية:
1- Beckman P.J. (1988). Influence of Selected Child Characteristics on Stress in Families of Handicapped Infants. American of Mental Deficiency, 88, 151-156. 
2- Bennett, Tess, & Deluca, Deborah (1996), Families of Children with Disabilities Positive Adaptation across the Life Cycle. Adjustment, Handicapped Children, social Networks Vol. 18.
3- Beresford, B, A. (1998). Resources and strategies; how parent cope with the care of a disabled child. Journal of Child Psychology and Psychiatry, 35, 171-209. 
4- Bouma, Ruth & Schweitzer, Robert (1990). The Impact of Chronic Childhood Illness on Family Stress; A comparison Between Autism and Cystic Fibrosis, Journal of Clinical Physiology, Vol. 46, 723-730.
5- Bower, Anna & Hayes, Alan (1999). Mothering in Families with and with out a child with disability. International Journal of Disability, Development Education, Vol. 45, No3. 213-222
6- Bristol, M, M, Gallagher, J.J. & Scholar, E (1988). Mothers and Fathers of Young Developmentally Disabled and No Disabled Boys; Adaptation and Spousal Support Developmental Psychology, 24, 441-451.
7- Brown, Carole, B. Goodman, Samara & Kupper, Lisa (1997). The Unplanned Journey; When You Learn The Child Has Disability. NICHCY, News Digest, Second Edition. Pp 5-15.
8- Bruce, Baker, L (2001). Father and Mothers Perception of Father Involvement in Families With Young Children With Disability, Journal of Intellectual & Developmental Disability Vol. 26. Pp 324-339.
9- Curtiss, G, Klemz, S, & Vanderploeg, R.D (2000). Acute Impact of Severe Traumatic Brain Injury on Family Structure and Coping Resources, Journal of Head Trauma Rehabilitation, 15, 1113-1122. 
10- Darling, Rosalyn Benjamin, Darling, John (1983). Children Who are Different, The C.V. Mosby Company- London.
11- Deweese, Ann Myra (1990) Stressors, Coping Strategies and Marital Adjustment of Parents of Full term and Preterm Infants in the Adjustment to Parenthood; Comparative Study, Dissertation Abstract; International, Vol. 51, No. 1, 451.
12- Duck, Steven (1992). Human Relations, Second Edition, Stage Publication London. PP 103-145.
13- Gallagher, James; Beckman, Paula, Cross, Arthur H (1983). Families of Handicapped Children Sources of Stress and its Amelioration. Exceptional Children, Vol. 50, No. 1, 10-19.
14- Gally, S. M (2000) Group Cohesion in Encyclopedia of Psychology, Vol. 4, pp, 15-16.
15- Hetherington, E, M, & Parke, R, D (1993). Child Psychology; a Contemporary View Point, New York; McGraw- Hill Book Company.
16- Hill, Reuben (1981). Theories and Research Designs Linking Family Behavior and Child Development; Critical Overview. Journal of Comparative Family Studies, Vol. 12, No. 1, p. 1-15.
17- Hurlock, E (1994). Adolescent Development, McGraw Hill Book, New York.
18- Krauss, M. W. (1993). Child- related and Parenting Stress; Similarities and Differences Between Mothers and Fathers of Children With Disabilities, American Journal on Mental Retardation, 97, 393- 404.
19- Maccoby, E, & Martin, J, (1993). Socialization in the Context of the Family; Parent Children Interaction. New York.
20- Morrison, Gale M (1988) of Communication, Cohesion, and Adaptability in Families of Adolescents with and without Learning Handicaps; Journal of Abnormal Child Psychology, Vol.16, pp 75-85.
21- Olson, David H and John Detrain (1994). Marriage and the Family; Diversity and Strengths; Mountain View, CA; Mayfield.
22- Olson, M, B, & Hwang, C.P (2000) Depression in Parents and Fathers of Children with Intellectual Disability, Journal of Intellectual Disability Research, 45, 535-545.
23- Selye, Hans (1985). Selye's Guide to Stress Research, Scientific and Academic – New York.
24- Warfield, M, E, Krauss, M, W, Hauser- Cram, P, Upshur, C. C. & Shonkoff, J.p (1999). Adaptation during Early Childhood among Mothers of Children With Disabilities. Developmental and Behavioral Pediatrics, 20, 9-1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق